أيا صوفيا تاريخيا

بنيت أيا صوفيا في العام 532 م بناء على أمر من الإمبراطور البيزنطي ، جستنيان الأول ، ببناء الكنيسة في القسطنطينية (إسطنبول حالياً) على أنقاض أخرى تعرضت للبناء و الهدم أكثر من مرة ، و استغرق بناء كاتدرائية أيا صوفيا (و التي تعني “الحكمة الإلهية” باللغة اليونانية) خمس سنوات.

و أراد جستنيان الأول من خلالها أن يُثبت تفوقه على أسلافه الرومان بتشييد صرح معماري غير مسبوق.

أيا صوفيا
أيا صوفيا

بُنيت كاتدرائية أيا صوفيا على شكل قبة مركزية كبيرة و نصف دوائر تحيط بصحن الكنيسة ، و تعد هذه القبة من أبرز معالم البناء ، إذ أراد المعماريون أن تكون أوسع و أكثر ارتفاعاً و إبهاراً من أي قبة بُنيت من قبل ، إلا أن القبة الأصلية انهارت نتيجة لزلزال عام 558 ميلادياً ، قبل أن يُعاد بناؤها و تُدعم بأربعين عموداً.

و استغل الإمبراطور جميع الإمكانيات لزخرفة المبنى و تزيينه ، و استخدم الرخام بمختلف ألوانه بعدما جلب من مناطق عدة ، كما زُينت الجدران الداخلية بفسيفساء من الذهب و الفضة و الزجاج و القرميد و أجزاء من الحجارة الملونة.

أيا صوفيا
أيا صوفيا

ظلت أيا صوفيا أضخم كاتدرائية مسيحية في العالم حتى بناء كاتدرائية إشبيلية عام 1520 م ، و وُصفت بجوهرة العمارة البيزنطية و عُدت واحدة من أبرز المعالم التاريخية حول العالم على الإطلاق.

و استمرت أيا صوفيا مركزاً للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية لأكثر من 900 عام ، تخللتها فترة ما بين عامي (1204 -1261) حولها الصليبيون أثناء حملتهم الرابعة إلى كاتدرائية للروم الكاثوليك ، قبل أن تعود مجددا للإمبراطورية البيزنطية.

تحويل كنيسة أيا صوفيا الى مسجد

أمر السلطان محمد الفاتح بسرعة تحويل كنيسة أيا صوفيا إلى مسجد فالفتح كان اليوم الثلاثاء 29 مايو ، و لم يَبْقَ إلَّا ثلاثة أيَّام على يوم الجمعة ، و كان الفاتح يُريد أن تكون صلاة الجمعة الأولى في المدينة في هذا المسجد الجديد، لذلك ففور الأمر بهذا التحويل بُنِيَت مئذنةٌ خشبيَّةٌ للمبنى، ووُضِع فيه منبر الخطيب، وحُدِّدت القبلة، وبُنِي فيها محرابٌ ليُصلِّي فيه الإمام.

أيا صوفيا
أيا صوفيا

إنَّ هذا التحويل للكنيسة يحمل الكثير من التساؤلات عند المؤرِّخين، ويرى بعضهم أنَّ هذا مخالفٌ لشريعة الإسلام لأنَّ عمر بن الخطاب  رضي الله عنه لم يفعل ذلك عندما فتح القدس ، ولم يُحوِّل كنيسة القيامة إلى مسجد، والأمر يحتاج إلى شيءٍ من التفصيل.

أوَّلًا:  فرَّقت الشريعة الإسلاميَّة بين البلاد التي تُفْتَح صلحًا والبلاد التي تُفْتَح عنوة؛ فالبلاد المفتوحة صلحًا -كالقدس- لا تُحوَّل كنائسها إلى مساجد أبدًا؛ بل تكون أحكام البلد كلِّها متطابقةٍ مع البنود التي اتٌّفِق عليها بين الطرفين قبل الفتح، ولهذا لم يكن جائزًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه  أن يُحَوِّل كنيسة القيامة أو غيرها إلى مسجد، أمَّا البلاد التي تُفْتَح عنوة -أي بالحرب- مثل القسطنطينيَّة، فإنَّ المسلمين يملكون «كلَّ» ما فيها، ومنها الكنائس،

ولهذا يجوز للحاكم المسلم أن يُحَوِّل ما شاء من كنائس هذا البلد إلى مساجد ، وقد حذَّر الفاتحُ إمبراطورَ الدولة البيزنطيَّة من هذه العاقبة إذا رفض تسليم البلد صلحًا، ولكنَّ الإمبراطور رفض التسليم، ومِنْ ثَمَّ دارت الحرب، فكان هذا من نتائجها الطبيعيَّة.

ثانيًا: يأتي هذا الفعل من قبيل المعاملة بالمثل؛ فهذه أحكام الحروب في العالم بشكلٍ عامٍّ، وخاصَّةً في هذه الحقبة، ولقد قام الإسبان في الأندلس  بتحويل كل مساجد البلد إلى كنائس بعد السيطرة على مدنها، بل فعلوا أكثر من ذلك؛ إذ غدروا بالمسلمين الذين فُتِحَت مدنهم «صلحًا»، وقاموا بنكث العهد الذي قطعوه على أنفسهم بعدم تحويل مساجد المدن إلى كنائس ، وهذا ما لم يفعله الفاتح قط مع أيِّ مدينةٍ أوروبِّيَّة فُتِحَت صلحًا.

ثالثًا: إذا فهمنا هذه الحقيقة الشرعيَّة أدركنا أنَّ الأمر ليس قاصرًا على كنيسة أيا صوفيا أو غيرها؛ إنَّما هو حكمٌ عامٌّ يشمل كلَّ الكنائس ، و لهذا فلا حرج أن تذكر المصادر أنَّ هناك كنائس أخرى قد تحوَّلت إلى مساجد في القسطنطينيَّة؛ فقد ذكر بعضهم أنَّ الفاتح حوَّل نصف كنائس المدينة إلى مساجد، وحصر البعض الكنائس التي حوَّلها الفاتح إلى مساجد في كلِّ تاريخه، وفي كلِّ المدن المفتوحة، فوجدها سبعة، وارتفع المؤرِّخ الأميركي ستانفورد شو بهذا الرقم إلى سبعة عشر.

رابعًا: مع أنَّ الفاتح كان قادرًا -من الناحية الواقعيَّة والشرعيَّة- على تحويل «كلِّ» كنائس القسطنطينيَّة  إلى مساجد فإنَّه لم يفعل ذلك؛ لأنَّه -كما سيأتي في نقطةٍ لاحقة- كان يُريد لأهل المدينة من النصارى أن يُمارسوا عباداتهم بشكلٍ طبيعي، وبحُريَّةٍ كاملة، بل ترك لهم كنيسة الرسل المقدَّسة، وهي كنيسةٌ عظيمةٌ عندهم، وتُوَازي كنيسة أيا صوفيا في القداسة، وسوف نرى علاماتٍ أخرى كثيرةً في سياق القصَّة تُؤكِّد حِرْص الفاتح على إعطاء الحرِّيَّة الدينيَّة للنصارى في المدينة.

خامسًا: لا بُدَّ أن ننظر إلى عامل «الحاجة إلى دور العبادة»؛ فالكنائس الموجودة في المدينة الآن أكثر بكثيرٍ من حاجة السكان النصارى، بينما سيقطن في المدينة الآن عددٌ كبيرٌ من المسلمين، خاصَّةً بعد تحويلها إلى عاصمةٍ للدولة العثمانيَّة، وهؤلاء ليست لهم مساجد تكفي لحاجاتهم، ويكفي أن نُقارن بين عدد الجيش البيزنطي في البلد، وهو خمسة آلاف تقريبًا، بعدد الجيش العثماني، وهو على أقلِّ تقدير يزيد على مائة ألف، والنسبة بين الشعبين قد تكون هي النسبة نفسها بين الجيشين، فحاجة السكان المسلمين إلى المساجد الكثيرة ستكون كبيرة، فلم يكن تحويل الكنائس إلى مساجد نوعًا من النكاية في النصارى، ولا نوعًا من إظهار عزَّة الإسلام وقوَّته، بل كانت حاجةً ملحَّة اقتضتها التركيبة الديموجرافيَّة الجديدة للمدينة.

سادسًا: عند استسلام مدينة جالاتا الچنويَّة دون قتال، أي صلحًا، ومع أهميَّة المدينة الاستراتيجيَّة إلَّا أنَّ الفاتح لم يقمْ بتحويل أيِّ كنيسةٍ من كنائسها إلى مسجد، وهذا يُؤكِّد أنَّه كان حريصًا على التعامل مع المسألة بشكلٍ فقهيٍّ سليم، وسيظلُّ الوضع في جالاتا على هذا الحال حتى عام 1475م، وعندها سيحتاج المسلمون لمسجدٍ في جالاتا لتغيُّر بعض الظروف السياسيَّة والديموجرافيَّة، حتى في هذه الظروف فلن يأخذ المسلمون كنيسةً يُحوِّلونها إلى مسجدٍ هناك إلَّا على سبيل الهبة من قيادة جالاتا النصرانيَّة، وهذا في الواقع من أروع الأمثلة على اهتمام الفاتح بالشريعة، وكذلك اهتمامه بحفظ حقوق الآخرين.

سابعًا: لا بُدَّ عند النظر إلى مسألة تحويل كنيسة أيا صوفيا على وجه التحديد إلى مسجد أن ننظر إلى البعد السياسي في القضيَّة؛ فكنيسة أيا صوفيا ليست مجرَّد مكان يُؤدِّي فيه النصارى العبادة، وإنَّما هي قيادةٌ روحيَّة، ورمزٌ لكلِّ شعوب الأرثوذكس في العالم. أَلَا ترى كيف يكون أثر الراية في الجيوش والمعارك؟ إذا سقطت الراية خارت قوى الجنود، مع أنَّ الذي يحمل الراية جنديٌّ واحدٌ قد لا يكون أقوى الجنود، ولكنَّها رمزٌ للجيش كلِّه.

 هكذا كانت كنيسة أيا صوفيا. إنَّها راية الأرثوذكس في الدنيا!

فإذا أخذنا في الاعتبار أنَّ الأرثوذكس في الدولة العثمانيَّة كثيرون جدًّا، سواءٌ في القسطنطينيَّة نفسها، أم في بقيَّة الولايات العثمانيَّة الأوروبِّيَّة -كبلغاريا، واليونان ، ومقدونيا، وصربيا- أدركنا قيمة أن يقوم السلطان محمد الفاتح بعملٍ ليكون مثل إسقاط الراية، وهو تحويل هذه الكنيسة إلى مسجد! هكذا أدرك الأرثوذكس في الدولة أنَّ المسألة قد حُسِمَت، ولعلَّ هذا هو الذي يُفسِّر عدم وجود أيِّ ردِّ فعلٍ من داخل الدولة لسقوط القسطنطينيَّة (1453م)، حتى الردود الخارجيَّة لم تأتِ قط على مستوى الحدث، ومرجع ذلك إلى الإحباط من إمكانيَّة التغيير أو المقاومة، وهذا يرجع إلى فضل مثل هذه الأعمال الاستثنائيَّة.

ثامنًا: لم يَسْعَ الفاتح إلى إحداث تغييراتٍ كثيرةٍ في مبنى كنيسة أيا صوفيا ؛ بل حافظ على شكله البيزنطي المعروف، ولم يُضِف له إلَّا مئذنةً واحدة، أمَّا بقيَّة مآذنه فقد أُضيفت في عهودٍ لاحقة، وكانت كنيسة أيا صوفيا مليئةً بالصور والأشكال، وكان الكثير منها للكائنات الحيَّة، فلم يكن جائزًا أن تبقى بهذا الوضع بعد تحوُّل المبنى إلى مسجد، فلم يقم الفاتح بتحطيمها؛ إنَّما اكتفى بتغطيتها بطبقةٍ من الكلس، وإنَّما حرص الفاتح على عدم القيام بأعمالٍ جذريَّةٍ تُغيِّر من شكل المبنى منطلقًا من رغبته في عدم استفزاز النصارى، فكان بذلك حريصًا على الوسطيَّة؛ إذ قلَّص فرصة قيام النصارى بثورةٍ أو مقاومة، وذلك بإحداث أقلِّ ضررٍ ممكن، وهذا من حُسْن سياسته

تحويل مسجد أيا صوفيا الى متحف

استعرض موقع ميدل إيست آي البريطاني في تقرير له قصة تحويل أيا صوفيا من جامع عمّره المصلون لأكثر من 4 قرون إلى متحف عام 1934، ليعود مجددا إلى وضعه السابق و تقام فيه اليوم أول صلاة جمعة.

و يقول الصحفي التركي يلدياراي أوغور (Yildiray Ogur) في تقريره إن بداية قصة تحويل أيا صوفيا من مسجد إلى متحف تعود إلى اجتماع عُقد في 12 يونيو/حزيران 1929 بأحد الفنادق الواقعة في “شارع الاستقلال” الشهير في إسطنبول.

و ضم الاجتماع (الذي عقد ليلة ذلك اليوم) 8 من أشهر أغنياء الولايات المتحدة الأميركية ، و اتفقوا خلاله على إنشاء “المعهد البيزنطي الأميركي”، الذي سيكون السبب في تغيير مصير أيا صوفيا .

لكن العقل المدبر لفكرة تحويل المسجد إلى متحف هو الأميركي توماس ويتمور ، و هو أكاديمي شغوف بالفن البيزنطي ، كانت لدى ويتمور شبكة علاقات اجتماعية واسعة ، ضمت أغنياء أميركيين و أمراء روس .

و تمكن ويتمور من تحقيق أول “إنجازاته”، في وقت كان العالم يتقدم بثبات نحو أزمة “الكساد الكبير” في فترة الثلاثينيات ، حيث نجح في إقناع بعض الأغنياء الأميركيين بأهمية إنقاذ القطع الأثرية البيزنطية الموجودة في إسطنبول.

لكن إنجازه الأكبر (حسب ميدل إيست آي) كان بعد ذلك بعامين ، حيث تمكن من الحصول على إذن من أنقرة للكشف عن النقوش و الفسيفساء البيزنطية الموجودة في أيا صوفيا

ظلت أيا صوفيا مركزا إسلاميا يحظى برمزية كبيرة ، مُرتبطا في الأذهان بـ” فتح القسطنطينية” إلى أن منع مصطفى كمال أتاتورك ، مؤسس تركيا الحديثة و رئيس الجمهورية آنذاك ، إقامة الشعائر الدينية في المسجد عام 1931 قبل صدور مرسوم حكومي عام 1934 بتحويله إلى متحف فني بهدف “إهدائه إلى الإنسانية”

تحويل متحف أيا صوفيا الى مسجد

وقع الرئيس التركي ، رجب طيب إردوغان ، على مرسوم بتحويل أيا صوفيا إلى مسجد ، مُعلنا فتحه أمام المسلمين لأداء الصلاة في 24 يوليو/تموز ، مضيفاً أن بلاده مارست حقها السيادي في تحويله إلى مسجد و سوف تعتبر أي انتقاد لهذه الخطوة تجاوزاً على سيادتها

و أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن طبيعة استخدام “أيا صوفيا” تتعلق بسيادة تركيا ، مشيرا إلى أن تحويل الكنيسة إلى مسجد مرة أخرى خطوة سيسجلها التاريخ في صفحاته.

و قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب توقيعه مرسوما يعيد متحف أيا صوفيا إلى مسجد بناء على قرار المحكمة العليا في تركيا ، و إنه يدعو الجميع لاحترام قرار المحكمة العليا بشأن أيا صوفيا ، وأضاف أنه لا يتدخل في شؤون الدول الأخرى ، لا سيما في قضية أماكن العبادة ، و”لن أقبل بالتدخل الخارجي بالشأن الداخلي لتركيا”.

وأشار إلى أن حق الشعب التركي في متحف أيا صوفيا لا يقل عن حق من أنشأه قبل 1500 عام.

و أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أيا صوفيا سيكون مفتوحا أمام كل من يقصده من المسلمين و المسيحيين و كل الأجانب ، مشيرا إلى أن أول صلاة في المسجد ستقام في 24 يوليو/تموز الجاري.

و كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وقع مرسوما يحول متحف أيا صوفيا إلى مسجد ، و ذلك عقب فترة وجيزة من قرار المحكمة الإدارية العليا بإلغاء وضع أيا صوفيا كمتحف.

و نشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نسخة من المرسوم الذي وقعه على صفحته على تويتر ، و ينص المرسوم على أن قرارا اتخذ بتسليم إدارة مسجد أيا صوفيا لهيئة الشؤون الدينية في البلاد و فتحه للصلاة.

وفي وقت سابق ، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، إلى احترام قرار تحويل أيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد ، مضيفًا في خطاب تليفزيوني ، أنه “مثل جميع مساجدنا ، ستكون أبوابه مفتوحة للجميع ، مسلمين أو غير مسلمين”.

و أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، في كلمته ، في أعقاب قراره بتحويل المعلم التاريخي الشهير أيا صوفيا ، إلى مسجد ، أن القرار “اتخذته السلطات القضائية و التنفيذية في البلاد”، في إشارة إلى حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء المرسوم الحكومي الصادر في عام 1934 بتحويل أيا صوفيا إلى متحف

و قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن ، إن فتح أيا صوفيا للعبادة لا ينقص شيئا من هويته التاريخية العالمية ، مشيرا إلى أن بإمكان مزيد من الناس زيارته

و توالت ردود دولية على هذه الخطوة بالانتقاد ، فقد أبدى الاتحاد الأوروبي أسفه بشأن قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، و قال جوزيف بوريل كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن “حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة و قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية مؤسفان”

و حُوّلت كنيسة أيا صوفيا إلى مسجد مع فتح العثمانيين للقسطنطينية “إسطنبول” عام 1453، ثم صار متحفا عام 1935 على يد رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك ، بهدف “إهدائه إلى الإنسانية”.

و سبق أن اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة المبنى الأثري المدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة (يونسكو) ، إلى مسجد مرة أخرى.

و في ثمانينات القرن المنصرم أُدرج المتحف على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة “اليونسكو” ، و أصبح واحداً من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول ، إذ استقبل في العام الماضي وحده قرابة أربعة ملايين زائر

بزيارتك متحف أيا صوفيا من الداخل ستدرك مدى جماله وروعة بنيانه والدقة العالية في تصميم لوحات الفسيفساء على جدرانه القرمزية اللون وسترى قبته التي تطل من بين الأشجار على مضيق البوسفور.

ويوجد داخل مسجد أيا صوفيا مجموعة من السراديب والغرف اضافة الى شرفة تطل على قاعة الصلاة التي تضم المحراب وتزينت بالنوافذ الملونة واللوحات التي خُطّ عليها لفظ الجلالة واسم النبي الكريم واسماء الصحابة

فتح القسطنطينيه

لقد كان فتح القسطنطينيه حلمًا يراود كل المسلمين و أملاً يسعى لتحقيقه الخلفاء و السلاطين و الملوك منذ أن سمعوا البشارة النبوية بفتحها و عقبى فاتحيها ، و لقد قام المسلمون بعدة محاولات لفتح القسطنطينيه عاصمة الدولة البيزنطية التليدة ، ابتداءً من سنة 35هـ في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان و حتى المحاولة الخامسة سنة 165هـ في عهد الخليفة العباسي «المهدي» ، و كانت الأخيرة بسبب ضعف الدولة العباسية ، و انشغل المسلمون بأنفسهم ، و ولت أيام قوتهم و اهتمامهم بالجهاد في سبيل الله ، و انفصلت أجزاء كبيرة من جسد الدولة المسلمة على شكل دويلات صغيرة متناثرة ، و ظهرت الدولة الفاطمية التي تبنت الإلحاد و الزندقة عقيدة و محاربة الدولة العباسية أصلاً و منهجًا.

5
أيا صوفيا

و هكذا بدا أن المسلمين قد نسوا فكرة فتح القسطنطينيه تمامًا ، حتى ظهرت الدولة العثمانية العظيمة و قد جعلت لنفسها هدفًا استراتيجيًا كبيرًا وضعه لهم مؤسس الدولة الأول «عثمان الأول» هذا الهدف هو فتح القسطنطينيه ، و بدأت محاولات الفتح منذ قيام الدولة العثمانية سنة 699هـ ، و لكنها أخذت صورة التركيز و التكثيف و الجدية ابتداءً من عهد السلطان بايزيد الصاعقه سنة 798هـ و كاد يفتحها لولا تدخل الطاغية الشيعي تيمورلنك الذي اكتسح الدولة العثمانية بجيش مهول «قوامه ثمانمائة ألف مقاتل» و مزق الدولة في معركة سهل أنقرة سنة 804هـ ، و ظلت الدولة العثمانية تضمد جراحها وتعيد تشكيل نفسها طوال خمسين سنة حتى استعادت قوتها من جديد.

تولى السلطان محمد الثاني عرش الدولة العثمانية سنة 855هـ وهو شاب في الثانية والعشرين ولكنه كان رجل الساعة والأمير الموعود، ولقد أعده أبوه السلطان العظيم «مراد الثاني» لهذه المهمة بعناية فائقة فرباه على العلم والديانة والورع وجعله يتولى أعمالاً جسيمة ومناصب قيادية وهو في الرابعة عشرة من عمره، وعهد به إلى الشيخ «شمس الدين آق» و«الكوراني» فشب محمد الثاني وهو لا يرى أمامه أي غاية في الحياة سوى فتح القسطنطينية، لذلك لما تولى السلطنة سنة 855هـ أخذ في الإعداد مباشرة للفتح العظيم.

أخذ السلطان محمد الثاني في إعداد جيش الفتح فدعا المسلمين للتطوع و الاشتراك في الفتح فوصل تعداد الجيش إلى ربع مليون مقاتل ، و أخذ في تجهيزه بأحدث الأسلحة و استقدم المهندس المجري «أوربان» و هو أشهر صانعي المدافع ، و كلفه بصنع المدفع السلطاني العظيم، و هو أكبر مدفع في التاريخ ، و اهتم بتقوية الأساطيل العثمانية حتى بلغ عدد سفنه 400 سفينة من مختلف الأحجام و الحمولات ، و أخذ في بث الشحن الإيماني و المعنوي في قلوب جنوده و تذكيرهم بحديث النبي صلى الله عليه و سلم للفاتحين ، و بث الدعاة و الوعاظ داخل صفوف الجيش لرفع إيمانيات الجنود.

6
أيا صوفيا

انطلق محمد الثاني بجيوشه الجرارة من مدينة «أدرنة» الملقبة بعاصمة الغزاة في محرم 857 هـ فوصل بعد شهرين إلى أسوار القسطنطينية و خطب في جنوده قبل الهجوم لاستثارة عزائمهم و حميتهم للجهاد ، و وصاهم بوصايا الإسلام في التعامل مع البلاد المفتوحة و الشعوب المغلوبة.

كان «قسطنطين» إمبراطور بيزنطة رجلاً قويًا شجاعًا حاول بشتى الطرق و الجهود البالغة أن يمنع هجوم العثمانيين على «القسطنطينية» حتى إنه أقدم على خطوة جريئة من أجل ذلك ، حيث طلب مساعدة البابا زعيم المذهب الكاثوليكي و عرض عليه إخضاع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية للكنيسة الغربية الكاثوليكية ، و لكن هذه الخطوة أغضبت أهل القسطنطينية بشدة.

استمات قسطنطين و قائد جنوده «جوستنيان» في الدفاع عن المدينة ، و كانت القسطنطينية شديدة التحصين ، بل هي أحصن مدن العالم آنذاك ، و حاول قسطنطين التفاوض مع السلطان العثماني محمد الثاني و عرض عليه الخضوع و الدخول في طاعته و دفع أموال طائله ، و لكن محمد الثاني رفض ذلك كله و أصر على فتح المدينة ، فهو لم يخرج من بيته للدنيا و زينتها ، بل مجاهدًا في سبيل الله.

في المقابل شن العثمانيون الهجوم الكاسح على عدة محاور برًا و بحرًا ، و قام محمد الفاتح بفكرة عبقرية لم يشهد التاريخ مثلها ، حيث نقل الأسطول البحري إلى البر مسافة 3 كم ثم أنزله عند القرن الذهبي و بالتالي أصبح الأسطول العثماني داخل القسطنطينية ، و قام بحفر أنفاق تحت الأرض في مناطق مختلفة لاختراق تحصينات المدينة ، و بالجملة استخدم العثمانيون أساليب جديدة و متنوعة في فتح القسطنطينية ،

حتى جاءت لحظة الفتح التاريخية و في ليلة الفتح أمر السلطان محمد الثاني جنوده بالتوبة و الخشوع و التقرب إلى الله تعالى و التهجد و الدعاء استعدادًا للفتح الكبير ، و بات المسلمون المجاهدون بخير ليلة ، أما النصارى فقد باتوا بشر ليلة بعد أن نزلت صاعقة من السماء أحرقت أبراج كنيسة أيا صوفيا فعدوا ذلك نذير شؤم و إشارة على السقوط والهزيمة ، و جمع قسطنطين سكان المدينة في قداس عام و دعاهم للدفاع عن المدينة لآخر قطرة في دمائهم و للحق كان الرجل على مستوى الحدث و ضرب أمثلة رائعة في الصمود و الدفاع و الشجاعة.

و في يوم الثلاثاء الموافق 20 جمادى الأولى 857 هـ بدأ الهجوم العام الشامل على المدينة و من كل اتجاه مع استخدام أسلوب البدل بين كتائب المهاجمين ، و بعد أربع موجات هجومية قام بها العثمانيون اقتحمت فرقة فدائية من خلاصة أبطال الجهاد أسوار المدينة و رفعت الأعلام العثمانية عليها و أصيب قائد الجند البيزنطيين «جوستنيان» إصابة خطيرة ، فنزل قسطنطين إلى أرض القتال ليقود المدافعين عن المدينة و خلع ملابسه الملكية و ظل يقاتل مترجلاً بسيفه حتى قتل في أرض المعركة وفاءً بقسمه أن يدافع عن المدينة حتى آخر نفس في صدره ،

و كان لانتشار خبر مصرعه فعل السحر فانهارت المعنويات ، و سقطت المدينة في منتصف النهار ، و دخل محمد الفاتح المدينة و خر لله تعالى ساجدًا شكرًا و حمدًا و تواضعًا له عز وجل ، و أمر بتحويل كنيسة أيا صوفيا إلى جامع في الحال و أصبح اسم المدينة «إسطنبول» أي مدينة الإسلام.

كان لفتح القسطنطينية دوي هائل على مستوى العالم بأسره المسلم و غير المسلم ، و أرخ بهذا الفتح نهاية العصور الوسطى في تاريخ البشرية ، و دخلت العلاقة بعده بين الإسلام و الغرب مرحلة جديدة تغيرت فيها طبيعة الصراع و أساليبه

 يستقطب متحف أيا صوفيا في اسطنبول أعداداً كبيرة من الزوار والسيّاح ومن مختلف بلدان العالم فهو يضم المئات من الكنوز الإسلامية والمسيحية التي لا يمكن تقديرها بثمن.
المصادر بتصرف

تحويل كنيسة آيا صُوفيا إلى مسجد في عهد السلطان محمد الفاتح- قصة السلطان محمد الفاتح- محطات تاريخية| قصة الإسلام (islamstory.com)

جامع آيا صوفيا.. هل كان “عميل استخبارات” أميركي سببا في تحويله إلى متحف؟ | أخبار سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)